أمّا من يريد اقتلاع حزب الله من لبنان، فهو عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية السورية سابقا، في زمن الرئيس حافظ الأسد، والرئيس بشّار الأسد.. حتى( حرده)، ومغادرته سورية إلى باريس..لأسباب غير ديمقراطية، إذ من غير المعقول أن يصاب الرجل بنوبة وله بالديمقراطية على غفلة، أو بيقظة ضمير مباغتة، هو الذي تنقل في الحكم إلى أن صار الرجل( الثاني)، و(الحاكم) بأمره في الملفين: الفلسطيني، واللبناني.
من عاش مثلي في سورية يعرف أفضال هذا الرجل على الشعب السوري، كونه شريكا أساسيا في الحكم، ومتحكما في أخطر ملفين، وشريكا في كل ممارسات النظام التي لا يستطيع التنصل منها، ويدعي أنه كان معارضا سريّا!
يتوعد الرجل في آخر تصريح له بأن الجيش السوري، بعد سقوط ( النظام)، سيؤمر بالتوجه إلى لبنان (لاقتلاع) حزب الله..دون إحم أو دستور، كونه اعتاد أن يلعب بالوضع اللبناني على مدى سنوات، وكأن لبنان ليس دولة ذات سيادة!
مصطلح (اقتلاع) حزب الله، يذكرنا بـ(اجتثاث) البعث، الذي مارسته السلطات التي نصبها الاحتلال الأمريكي في العراق..فهل اتفق خدام مع الإدارة الأمريكية على أن تسقط (له) نظام الحكم في سورية، ومن ثمّ تحّل الجيش العربي السوري عقابا له على حماية وطنه من الفتنة، و..تعيد تشكيله، بحيث يؤدي دورا يرسم له في الحقبة الأمريكية الصهيونية النفطية وهو: اقتلاع حزب الله من لبنان، وطرد فصائل المقاومة الفلسطينية من سورية، بقيادة خدام شخصيا، الذي يحلم بأن يتبوأ منصب رئيس الجمهورية العربية السورية، بعد أن ملّ من الانتظار في موقع ال(نائب) للرئيس!
يقول أحد أمثالنا ببلاغة: خذوا أسرارهم من ( صغارهم)، ونحن نلفظها: زغارهم.
خدام لم يترك في أوساط الشعب السوري سمعة يحسد عليها، وهو يبوح بدون وعي بأسرار أولي الأمر، ناهيك عن رغباته الشخصية، فاضحا لهفة اللاعبين العرب الصغار على الإمساك بمصير سورية، والاستعداد المسبق، والمعلن، لتنفيذ ما تتمناه أمريكا، وما عجز عنه الكيان الصهيوني وجيشه الذي (قًهر) في حرب تموز 2006 أمام رجال حزب الله، ونسائه اللواتي كن في الميدان مضمدات جراح، ومعدات طعام، وناقلات أسلحة، كما عهدناهن أخوات للفدائيين الفلسطينيين منذ بدأت قواعد الفدائيين على أرض الجنوب..الفدائيين الذين طوردوا، وقُتلوا..ولم يجدوا غير أرض الجنوب حاضنة لهم، ولثورة شعب فلسطين.
فضح خدام مخطط أسياده، الذي بات مكشوفا ومفضوحا، وهدفه إنهاء حزب الله، و(اقتلاعه)، وتدمير المقاومة في لبنان، عقابا لحزب الله على انتصاراته، وانحيازه لفلسطين، وإحراجه للدول العربية التي يقودها حكّام يرون ويسمعون ما يجري للقدس وفلسطين ولا يحركون ساكنا، بل كل همهم إنهاء حزب الله، وكل أشكال المقاومة في فلسطين، وهذا لا يتحقق إلاّ بتحويل سورية إلى قاعدة ومنطلق للثورة المضادة، لتكون جارا وصديقا للكيان الصهيوني، وتابعا لأمريكا، وامتدادا للكيانات الرجعية البالية في بلاد العرب، التي للتذكير، كانت دائما في موقع التآمر على أقدس وأشرف قضايا العرب، ودورها لا ينسى في التآمر على وحدة مصر وسورية، وعلى كفاح مصر الناصرية، وعلى جمال عبد الناصر وكل ما مثله..فهل ننسى؟!
عبد الحليم خدام كان يمسك بالملفين: الفلسطيني واللبناني، وهو يفضح دوره في التآمر على الملفين، ودفع الأطراف الوطنية للتصارع، والاقتتال، وإحداث الفتن للتآكل الذاتي.
بعد الخروج من بيروت في العام 1982 كنّا نستعد لاستئناف المقاومة في لبنان، خاصة وقد بقيت مناطق واسعة لم تحتل في لبنان، لنا فيها رفاق وأخوة لم يغادروا على السفن التي نقلت ألوف المقاتلين من بيروت..ووزعتهم على دول العرب التي لم تهب للدفاع عن بيروت العاصمة العربية العريقة!
خرجنا من لبنان غاضبين على الأنظمة، ونحمل مرارة من القيادات الفلسطينية، ونعاني من حالة التشتت، ففوجئنا ونحن في ذروة المطالبة بالتغيير بتفجّر صراع مسلح في صفوف حركة فتح، ليس بهدف الإصلاح، ولكن للانقلاب على قيادة (أبوعمار)، والإطاحة بها، ومن ثم الانتقال (لتفكيك) فصائل المقاومة، والهيمنة عليها، وكان كل هذا يجري بإشراف عبد الحليم خدام نفسه!
يومذاك رفعنا نحن الكتاب والمثقفين الفلسطينيين الرافضين للمخطط شعارا هو: نعم للتغيير لا للتدمير، ورفضنا شق حركة فتح، وكان رأينا المعلن في ندوات يشهد عليها أهلنا، عقدت في مقر اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين في(المزه)، ومن بعد في المقر بمخيم اليرموك، بعد نقله من المزه: لا للانشقاق على أية أرض عربية، وفي كنف أي نظام.الإصلاح والتغيير لا يتم بالانقلاب المدبّر.
حوصرت بيوتنا في مخيم اليرموك، وأهلنا، وهم مشردون الآن من المخيم، يتذكرون هذا. آنذاك صدرت نشرات لجهات يسارية سورية انحازت للطرف الذي حمل اسم (فتح الانتفاضة). شتمنا أولئك اليساريون، وتطاولوا علينا..ونالني في نشراتهم نصيب بالاسم، ووصفت بالعرفاتي اليميني..وصفات أخرى تليق بهم كأدوات في خدمة أجهزة النظام، وبإشراف خدام نفسه!
الأيام السوداء التي عانيناها في دمشق لم تدفعنا للهرب، فقد بقينا مع شعبنا، رغم الملاحقة، والاستدعاءات للأجهزة الأمنية المختلفة.
من انشقوا عن فتح اكتشفوا بعد فــــترة وجـــيزة أنهم وظفوا لشق فتح، وليس لتثويرها، وهذا ما صدم السيد نمر صالح (أبوصالح) الذي بعد أن توجه إلى بيروت والتقى بالمناضل الناصري الأخ إبراهيم قليلات، صرخ خدام في وجهه محذرا ومهددا: هذه آخر مرّة تذهب فيها إلى بيروت، و..بدأ العد العكسي للتخلص من أبي صالح الذي مات قهرا، وهو يرى كيف أرسل خدام الونشات لرفع سيارته من أمام بيته بطريقة مهينة!
بإشراف خدام جرى العدوان على (المرابطون)، من تحالف أمل وحزب وليد جنبلاط..فقليلات الناصري الجامح، والمرابطون يجب أن يُنهوا..و(يقتلعوا)!
هذا بعض دور خدام في تصفية الثورة الفلسطينية، وتشريدها، ومطاردة الوطنيين اللبنانيين، وتحويلهم إلى دمى!.
في تلك الظروف الصعبة، ومباشرة بعد احتلال بيروت، ولد حزب الله في الميدان، وما كان لخدام أن ينال منه.
هل بقيت أسرار، وخفايا في مخططات أمريكا وفرنسا وبريطانيا والحليف الصهيوني، والأنظمة التابعة الممولة بمال النفط والغاز..بعد تصريحات جون ماكين إثر زيارته السورية للأراضي السورية؟!
أليس من حق حزب الله أن يدافع عن نفسه، قبل أن يلتف حبل الموت حول عنقه، وتبدأ مرحلة (اقتلاعه)؟!
من كانوا (أعمدة) فساد في سورية، و..من حمل أبناؤهم الجنسيات السعودية، ومن حلموا بأن يكونوا كحكام السعودية ثراء وبذخا..ونيل رضى أمريكا، وبالجيرة الطيبة مع (إسرائيل)، هم بالضبط من يحقدون على حزب الله، ويحلمون ب(اقتلاعه)، ولكن المشكلة أن جذور حزب الله ضاربة عميقا في أرض لبنان، وفي نفوس ملايين العرب والمسلمين، فمن سقط أبناؤهم شهداء في الميادين، ليسوا كمن يبزنس أبناؤهم ببركات رشى النفط شراء للضمائر!
هناك من بلغوا أرذل العمر، ومع ذلك فهم يتشبثون بتكملة مسيرة حياة ليس فيها ما يشرّف، وبدلاً من أن يخجلوا، ويعتذروا للشعب السوري،ويكفّروا عن آثامهم بحق فلسطين ولبنان، فإنهم يتوعدون المقاومة التي مرغت أنف الجيش الصهيوني على أرض لبنان، تحت أقدام بواسل حزب الله..يتوعدون باقتلاع هؤلاء المقاومين من وطنهم الذي حرروا عاصمته وجنوبه ببطولاتهم التي أعادت الكرامة للعرب والمسلمين، وشرّعت نوافذ الأمل على مستقبل فلسطين…