صالحة حمدين طفلة بدوية من فلسطين فازت بجائزة هانز كريستيان

2013-05-31 18:45:38
/

صالحة حمدين طفلة بدوية من فلسطين فازت بجائزة هانز كريستيان الدولية للقصة الخيالية من بين 1200 عمل من جميع أنحاء العالم عن قصتها "حنتوش"


 


حنتوش

القصة الفائزة بجائزة هانز كريستيان الدولية للقصة الخيالية

قصة قصيرة بقلم صالحة حمدين

اسمي "صالحة"، أنا من مدرسة (عرب الجهالين)، أعيش في خيمة صغيرة في (وادي أبو هندي)، عمري 14 سنة.
في النهار أدرس في مدرسة القصب، وقد صنعوها من القصب لأن الجنود أعلنوا أن أرضنا منطقة عسكرية مغلقة، حيث يتدربون على إطلاق النار في منطقة الزراعة.
يعيش معنا... في الخيمة سبعون نعجة، وأقوم أنا بحلبها بعد أن أعود من المدرسة، وأصنع الجُبن ثم أبيعه لأهل المدينة.
الطريق هنا وعرة لأن الجنود يمنعونا من تعبيد الطريق، ويتدربون على إطلاق النار في الليل، وأنا أكره صوت الرصاص، أكاد أجن منه، فأهرب، نعم أهرب!
لا يوجد لديَّ دراجة هوائية، لأن الطريق وعرة، ولا سيارة عندي ولا طيارة، لكن عندي شيء أستخدمه للهروب.
اقتربوا، اقتربوا، سأوشوشكم سراً، عندي خروف يطير اسمه "حنتوش"، لونه أسود وأُذناه طويلتان، له جناحان سريّان يُخبئهما داخل الصوف، ويُخرجهما حين أهمس في أذنيه "يا حنتوش يا خروف أطلع جناحيك من تحت الصوف" أغني في أذنيه، فيما يبدأ الجنود بالتدرب على إطلاق الرصاص، وأركبه ويطير بي...، والبارحة هربنا إلى برشلونة!
سنقول لكم شيئاً، في (وادي أبو هندي) لا يوجد ملاعب أصلاً، لأن الأرض مزروعة بالألغام.
وفي (برشلونة) قابلنا "ميسي" صاحب الأهداف الكبيرة، لعبنا معه لساعات طويلة، خروفي "حنتوش" كان واقفاً حارساً للمرمى، وأنا أُهاجم "ميسي" وفريقه...، أدخلنا في مرماهم خمسة أهداف!
أراد "ميسي" أن يضمني أنا و"حنتوش" إلى فريق (برشلونة) لكننا رفضنا، نريد أن نعود إلى (أبو هندي) لأن الأغنام هناك تنتظرني، فلا يذهب أحد غيري ليحلبها، فأبي في السجن منذ ست سنوات وبقي له تسع عشرة سنة.
سأقول لكم سراً: أخبرني "ميسي" أنه سيزور (وادي أبو هندي) بعد سنتين! سنُقيم مونديال 2014 في (وادي أبو هندي)، سنُنظف معاً الأرض من الألغام، وسنبني أكبر ملعب في العالم، وسنُسميه "ملعب حنتوش"، وسيكون الخروف شعار المونديال! وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في (وادي أبو هندي)، نحن جميعاً بانتظاركم!

 


حرمان ومرارة

ليست هذه الكلمات من نسج خيالي، بل من نسج خيال فتاة فلسطينية لم تتجاوز الأربعة عشر عاماً، فاستلهمت بداية قصتها هذه من الحرمان والمرارة التي تحياها وأبناء شعبها، لتحلق بعيداً عن قريتها التي تفتقر لأبسط الاحتياجات الآدمية، آملةً في إعادة الحياة لها ورسم البسمة على شفاه أطفالها.

كانت تجلس في بيتها الذي يفتقد لأدنى مقومات الحياة تفكر ملياً كيف لها أن تحضن أباها بعد أن اعتقله الاحتلال (الإسرائيلي) وحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، حتى فاجأتها مؤسسة "تامر" للتعليم المجتمعي بخبر يعيد البسمة لوجهها الذي تقرأ منه علامات المعاناة والحرمان.


تفوقت على 1200 متقدم

لم تصدق صالحة حمدين، ابنة الأربعة عشر عاماً، أنها تمكنت من أن توصل صوتها، الذي حُبس لسنين، إلى بقاع الأرض كلها، لتحصد جائزة "هانز كريستيان" في كتابة قصتها القصيرة للأطفال "حنتوش"، متفوقة بذلك على 1200 من أقرانها في جميع أنحاء العالم.

صالحة سلب منها الاحتلال (الإسرائيلي) كل ما يزيد للحياة حلاوةً وللطفولة فرحاً وسعادة، حيث حرمها وأشقاءها الخمسة من الأرض والأب، لكنه فشل في أن يسرق أحلامها وطموحها اللامتناهي بتجسيد ملامح العذاب والوضع الصعب الذي تحياه وشعبها.

ولم تتوانّ هذه الفتاة عن إطلاق سراح خيالها لتصل إلى قصة تعبر عما يجيش في خاطرها ويجول في بالها على الدوام، لتتمكن من وضع بصمة خاصة لها في قصة شاركت في مسابقة "هانز كريستيان" في مجال أدب الطفل، فأبصرت شخصية خروفها "حنتوش" النور الذي مكنها من نيل الجائزة.


صالحة تطير برفقة صديقها "حنتوش"

تسكن صالحة في قرية صغيرة واقعة بوادي "أبو هندي"، في المنطقة "ج" من الضفة الغربية الخاضعة بشكل كلي لسيطرة الاحتلال (الإسرائيلي)، حيث تفتقر قريتها لأبسط الاحتياجات الحياتية من الكهرباء وشبكات المياه أو الصرف الصحي!.

وتعيش مع أسرتها في بيت صُنِعَ سقفه وجدرانه من الصفيح (الزينكو)، فيما كانت أرضه عبارة عن أرضية إسمنتية خشنة بدلاً من البلاط، والتي تعارف الفلسطينيون عامة على تسميتها بـ"المَدَّةْ".

صالحة تحرر خيالها، فتقول في قصتها: "نقول لكم شيئاً، في وادي أبو هندي لا يوجد ملاعب أصلاً، لأن الأرض مزروعة بالألغام (الإسرائيلية)".

"وفي برشلونة قابلنا 'ميسي' صاحب الأهداف الكبيرة، لعبنا معه لساعات طويلة، خروفي حنتوش كان واقفاً حارساً للمرمى، وأنا أهاجم ميسي وفريقه، أدخلنا في مرماهم خمسة أهداف"، وتحلم صالحة أن يُقام مونديال 2014 في وادي أبو هندي، بعد أن تنظف الأرض برفقة صديقها ميسي من الألغام، لتبني أكبر ملعب في العالم، وتُطلق عليه "ملعب حنتوش" بشعار "الخروف".


مشهد اعتقال والدها

"بيتنا المصنوع من الصفيح ارتج تحت أحذية الجنود (الإسرائيليين)، ففي منتصف الليلة، قبل أن يأخذوا والدي، عصبوا عينيه، غير مبالين بصرخاتنا وذعرنا، واقتادوه إلى سيارة "جيب" عسكرية" بهذه الكلمات تصف الفتاة الموهوبة مشهد اعتقال والديها الذي يأبى أن يُمحى من ذاكرتها.

إن اعتقال والدها حيُّ بشكل جلي في قصتها المعبرة عن معاناة الشعب الفلسطيني بأكمله، فتقول: "أراد ميسي أن يضمني أنا وحنتوش إلى فريق برشلونة لكننا رفضنا، نريد أن نعود إلى أبو هندي لأن الأغنام هناك تنتظرني فلا يذهب أحد غيري ليحلبها، فأبي في السجن منذ ست سنوات وبقي له تسعة عشر عاماً".


حياة صالحة في سطور

ولا تتوقف معاناة أسرة صالحة عند هذا الحد فحسب، بل تعاني من البرد القارص في فصل الشتاء، فتضطر إلى إشعال الحطب علّه يخفف حدة البرد، وحينما يودون أن يجتمعوا على لقمة تسد رمقهم ، يطهون طعامهم على الغاز، وإن نفذ لا يكون أمامهم إلا الحطب!

وتقول صالحة: "تقوم والدتي بصناعة قوالب الجبن من حليب نعجاتنا لبيعها في السوق، وشراء ما يلزم من حاجيات البيت. إنها من يتولى العناية بنا الآن، بعد أن سجن الإسرائيليون والدي عندما كنتُ في الثامنة من عمري".

تفيق صالحة في ساعات باكرة لتسير في طرق وعرة للوصول إلى مدرستها التي تئن من البرد الشديد خلال الشتاء، والحر الذي لا مثيل له خلال الصيف،فجدرانها من القصب لأن جيش الاحتلال أعلن منطقتهم منطقة عسكرية مغلقة، حيث يتدربون على إطلاق النار في منطقة الزراعة.

وبعد أن تقضي ساعات الدراسة في المدرسة، تعود عند الظهر إلى منزلها لتتناول وجبة الغداء البسيطة، وتسرق من وقتها ساعتين لتراجع دروسها، ومن ثم تساعد والدتها في حلب نعجاتهم السبعين.

ورغم كل مضايقات الاحتلال (الإسرائيلي) لهم ولسكان منطقتهم، إلا أن صالحة وأشقاءها الخمسة يكسرون الحصار ويرفضون خنقهم في حياتهم، فيلعبون في محيط المنزل حتى تغيب الشمس، فيضطرون للعودة خشيةً من إطلاق الاحتلال الرصاص عليهم فيصبحون في عداد الشهداء!


الفرصة الذهبية

صالحة لم تترك دقيقةً إلا وكان بالها مشغولا بوالدها، فكيف ستجعل العالم كله يعرف مدى قسوة حياة الفلسطينيين؟! إلا أن جاءتها الفرصة الذهبية لتشرح ما تعيشه من قلق وخوف وحرمان من خلال مسابقة "هانز كريستيان"، لتُصعق لاحقاً بنبأ حصول قصتها على المرتبة الأولى!

وتقول صالحة: "للوهلة الأولى لم أصدق الخبر. "معقول أنا فزت"؟! كنتُ "فرحانة كتير"، برغم أنه لم يكن للجائزة أي مقابل مادي. ما كان يكفيني أن رسالتي وصلت للجميع..".

وتطمح صالحة لأن تخوض غمار المحاماة كي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتسترد ما سلبه الغاصب، فلعلها تتمكن من الدفاع عن أبيها ليتنفس عبق الحرية!.



Related Articles مواضيع ذات صلة


 
 
 
 
مقالات و أَخبار أُخرى