بعد إنقضاء موسم الحج: قاطنو مكة يزدادون عداءاً للتغييرات في المدينة المقدسة

2016-09-18 23:56:33
  • أحد خبراء علم الأنساب في مكة المكرمة. صورة: أحمد ماطر
/

مع عودة الملايين من الحجاج لأوطانهم، يبقى مليونان من سكان مكة يكافحون آثار التغيير بمدينتهم. معظم أجزاء مكة القديمة تم هدمها وإعادة بنائها من جديد لتفسح المجال أمام السياحة المتنامية، طاردة بذلك سكانها الأصليين.


• صلاة من أجل مكة: المدينة التي لا يراها الكثير من الحجاج - فيديو

ملايين الحجاج يستعدون للعودة لأوطانهم، بعد خمسة أيام من أداء المناسك العتيقة، مصلين في مدينة مكة لرب الجلالة.

لقد قاموا برجم الشياطين الرمزية، وباتوا في أكبر مدينة خيام في العالم ، وشربوا من مياه بئر زمزم معا: حشد غفير يقرب من مليوني شخص من جميع أنحاء العالم.

أثناء الطواف حول الكعبة - الحجر الأسود مركز الحرم الشريف - سيتعين على الحجاج النظر لأعلى حتى يتمكنوا من رؤية واحدة من مآذن المسجد الحرام ، والتي تتضاءل أمام أبراج البيت برج الساعة ، وهو فندق فخم منتقد بشدة ومجمع تجاري وثاني أطول مبنى في العالم.

في العام القادم سوف يرون أبراج كدي، الفندق الأكبر على وجه الأرض.

على الرغم من إعادة بنائها على مر القرون، فإن المآذن في الواقع - مثل الكثير من أجزاء المدينة - هي الآن من بقايا مكة ما قبل الحداثة. الرافعات والسقالات تهيمن الآن على مشهد الأفق، مذكرة بأن المدينة تشهد توسعا حكوميا هائلا لتكون قادرة على مواكبة الأعداد المتزايدة باستمرار من الحجاج سنويا في المستقبل.



ولكن بقدر ما ينتمي أولئك الحجاج - مثلهم مثل جميع المسلمين - إلى مكة المكرمة خلال تلك الأيام الخمسة، فهي لا تعدو أن تكون موطنا روحيا لهم. عندما يتعلق الأمر بالمدينة التي يزورونها من منطلق الالتزام الديني والإخلاص لله، فإن معظمهم شخصيات عابرة لن تترك وراءها أثرا لا يمحى بالمدينة. بل سيتركون وراءهم مليونين من السكان المحليين، الذين يعانون من آثار تغير طبيعة مدينتهم.

في ستينات القرن الماضي وقبل أن يصبح السفر في المتناول بشكل أكبر ، كان عدد الحجاج يبلغ تقريبا مئتي ألف. ووفقا لأمير منطقة مكة فإن عددهم الآن يتراوح ما بين الاثنين إلى الثلاثة ملايين ، بالإضافة إلى 12 مليون يقومون بأداء الحج الأصغر ألا وهو العمرة ، والذي يمكن القيام به في أي وقت على مدار العام. في مقابل تراجع أسعار النفط ، فمن المتوقع أن تصبح الإيرادات من السياحة المكية مصدرا أكبر للدخل في اقتصاد المملكة العربية السعودية. رهن المخططات الحالية لها ، فإن المدينة تتوقع زيادة عدة ملايين من الحجاج سنويا بحلول عام 2020.

وتتفاوت التقديرات ، ولكن عدد قليل فقط هو المتبقي من مباني مكة المكرمة التي يتجاوز عمرها ألف سنة. الحصون العثمانية والتلال أفسحت مكانا لبرج الساعة الملكي. منزل السيدة خديجة الزوجة الأولى للنبي هو الآن موقع المراحيض العامة. ولكن القليل جدا هو ما يذكر عن آلاف المنازل والأحياء المدمرة لإفساح المجال للتوسعات في المدينة. ثلاثة عشر من بين 15 من أحياء مكة القديمة تمت إزالتها وإعادة بنائها لإفساح المجال أمام الفنادق والمساحات التجارية.

لا يوجد من يعرف عن هذا الأمر أفضل من سامي عنقاوي.
مهندس معماري ويعيش حاليا في مدينة جدة، وقضى عنقاوي طفولته في منزل عائلته المتوارث بمكة المكرمة. مثل الكثير من أهل مكة، وكما هو الحال الآن، كان والده دليل محلي للحجاج هناك للعمرة أو الحج. وحين كان صبيا، قال عنقاوي أنه كان يساعد والده بحمل أحذية الحجاج بينما هم يؤدون الصلاة.

عاش عنقاوي في شعب علي ، الحي الذي يقال أنه المكان الذي شهد ولادة النبي محمد. ولكن منزلهم تم هدمه كجزء من التوسعة النظامية الأولى للمسجد الحرام في الخمسينات. وصرح عنقاوي للجزيرة في العام الماضي أن عائلته أجبرت على التنقل مرتين أخريين ، حيث واصلت المدينة توسعاتها القسرية.

المعماري الذي يبلغ من العمر 65 عاما هو أيضا مؤسس مركز أبحاث الحج ، والذي أمضى العقود الثلاثة الماضية في بحث وتوثيق المواقع التاريخية بمكة والمدينة. "إنهم يقومون بتحويل الحرم المقدس إلى آلة ، مدينة بلا هوية ولا تراث ولا ثقافة ولا بيئة طبيعية" قال عنقاوي للجارديان في عام 2012.

قصته هي الحال في كثير من الأسر المكية: الأشخاص الذين سبل العيش لديهم لطالما كانت تعتمد على اقتصاد الحج ولكنهم هم أيضا الذين يتعرضون لحقبة جديدة من التوسعات في مكة ، ينمو لديهم شعور متزايد بالاستياء.

وفقا لجواهر السديري ، وهي باحثة أكاديمية سعودية في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ، فإن سكان مكة عليهم باستمرار القيام بـ "ضبط دخلهم وعملهم وطريقة حياتهم" للتكيف مع مدينة تسعى بشكل متزايد لمحوهم.

"وهذه المحاولة لـ[تغيير] المدينة ... تخلق العداء" هكذا تقول جواهر. فكلما تم هدم الأحياء فإن الاقتصاديات غير الرسمية والتي أبقت مجتمعات بأكملها على قيد الحياة - سواء كانوا باعة الخضر أو الإسكافيين أو المرشدين السياحيين غير الرسميين - يصبحون عرضة للخطر.

يواجه المزيد والمزيد من السكان التحديات للمشاركة في اقتصاد الحج ، وعليهم التنافس مع المؤسسات التجارية: فقد تم استبدال المنازل الخاصة بالفنادق ، وسلاسل الوجبات السريعة بدلا من أكشاك الطعام في أسواق الشوارع.

"بعض [مواطنو مكة] مستاؤون أنهم فقدوا ما يمكن أن يسميه البعض (احتكارهم) ليتحول إلى (احتكار المؤسسات)" تقول جواهر السديري والتي أجرت مقابلات مع عشرات من السكان في السنوات الأخيرة ، وبحثت في الآثار الاجتماعية والاقتصادية للتنمية على المجتمعات في مكة المكرمة .

مصدر الدخل المرتفع الوحيد المضمون هو لتلك العائلات التي تملك عقارا. العائلات المكية التي تعيش الآن خارج المدينة تقوم بتأجير منازلها لفترات للحجاج المهاجرين.

وتقول جواهر السديري "عندما يأجرون العقارات خلال موسم الحج، فإن الدخل الذي يتحصلون عليه يعيلهم لبقية العام، هذه ليست مبالغة."

ولكن مع سعر متر مربع واحد من الأراضي في المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام تقدر قيمته الآن بـمئة ألف جنيه استرليني ، فإن كثيرين قاموا ببيع ممتلكاتهم سواء للحكومة أو لشركات التطوير العقاري - وبالتالي قطع روابطهم التاريخية مع المدينة.

وهذا يعني أن نسبة أكبر من المدينة أصبحت الآن مملوكة لشركات تجارية للتطوير العقاري ، وتسيرها مصالح القطاع الخاص.

الأمر عبارة عن توتر متوارث، طفا إلى السطح بفعل تفاقم المشاكل المالية في البلاد، وهي أن مكة المكرمة يجب أن تعطي الأولوية لحجاجها المهاجرين قبل سكانها، على الرغم من أن كلا الطرفين يتشابكان بصورة معقدة.

ولعل الطرف الأكثر هشاشة بالمدينة هم الجماعات المهاجرة.

لطالما كانت مكة المكرمة منارة للمهاجرين المسلمين عبر التاريخ. وفقا لجواهر لسديري فإن 45? من سكان مكة الحاليين هم من المهاجرين غير السعوديين. وهذا يشمل الجيل الثاني والثالث من المهاجرين والذين لا يحق لهم الحصول على الجنسية السعودية.

بعض هذه المجتمعات أقدم وأكثر رسوخا من غيرها مثل البورميين الذين يبلغ عددهم حوالي 250000. والآخرون مثل المجتمعات النيجيرية والجنوب آسيوية ، هي أحدث وتتألف من العمال الموسميين الذين يعملون في قطاعات البناء والخدمات.

"في نواح كثيرة البورميون هم قصة نجاح في مكة المكرمة" هكذا تقول جواهر السديري. على الرغم من الانعزالية، ولكنهم على درجة عالية من التنظيم في مكة. وخلافا لمجموعات المهاجرين الأخرى، فإن البورميين يفدون إلى المملكة العربية السعودية في موجات منذ عام 1948 لطلب اللجوء السياسي. على هذا النحو ، تم منح العديد منهم الحق في الإقامة الدائمة في عام 2015 في سابقة هي الأولى من نوعها للمملكة العربية السعودية.

لكن الجماعات المهاجرة الأخرى ليست محظوظة عادة بنفس القدر.

يعيش العديد من المهاجرين غير الشرعيين في مكة المكرمة ، وكثير منهم قد تجاوزوا تأشيرات الحج الخاصة بهم. بعضهم فتنته قدسية المدينة، والبعض الآخر يأتي لكسب لقمة العيش، والبعض الآخر من المسلمين المسنين يذهبون إلى هناك للموت.

لا توجد بيانات رسمية ولكن بشكل عام "فإن الحكومة تسمح لهم بالبقاء" وتغض الطرف عنهم ، وفقا لجواهر السديري.

"من الناحية السياسية، فإن إجبار المسلمين على مغادرة مكة فقط لا يبدو مناسبا" كما تقول. "كل مسلم يشعر أن مكة المكرمة هي موطنه الثاني."
لكنهم لا يزالون متروكين عرضة للخطر.

مع تحول مركز المدينة رويدا إلى مؤسسة تجارية، يتم دفع السكان إلى الأطراف. ووفقا لتخطيط المدينة الرئيسي عام 2011 ، كان على السكان جميعا الانتقال إلى منطقة تسمى "بوابة مكة"، وهو حي بمساحة 16 كيلومترا مربعا مع وجود خطط للسكن بأسعار معقولة.

ولكن في الواقع ، فبمجرد إزالة منازلهم والحصول على تعويض هزيل إن وجد، فإن المكيين تم نقلهم إلى قرى مجاورة تبعد ساعة عن مدينتهم، حيث ذهبوا لبناء أحياء فقيرة جديدة.



أعدَّت الإعلام العربيّ المادة عن صحيفة الغارديان

المادة الأصل هنا

The Guardian


Related Articles مواضيع ذات صلة


 
 
 
 
مقالات و أَخبار أُخرى